الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (6- 13): {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}فقال تعالى: {ذلك} أي ذكرنا ذلك لتعلموا {بأن الله هو الحق} وإن هذه الأشياء دالة على وجود الصانع {وأنّه يحيي الموتى} أي إنه إذا لم يستبعد منه إيجاد هذه الأشياء فكيف يستبعد منه إعادة الأموات {وأنه على كل شيء قدير} أي من كان كذلك كان قادراً على جميع الممكنات {وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور} أي ما ذكر من الدلائل لتعلموا أن الساعة كائنة لا شك فيها وأنّها حق وأنّ البعث بعد الموت حق قوله تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} يعني النضر بن الحرث {ولا هدى} اي ليس معه من الله بيان ولا رشاد {ولا كتاب منير} أي ولا كتاب من الله له نور {ثاني عطفه} أي لاوي جنبه وعنقه متبختراً لتكبّره معرضاً عما يدعى إليه من الحق تكبّراً {ليضل عن سبيل الله} أي عن دين الله {له في الدنيا خزي} أي عذاب وهوان وهو أنه قتل يوم بدر صبراً هو وعقبة بن أبي معيط {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك} أي يقال له ذلك {بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد} أي فيعذبهم بغير ذنب والله تعالى على أي وجه أراد يتصرف في عبد ه فحكمه عدل وهو غير ظالم.قوله عز وجل: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} الآية نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهراً وولدت امرأته غلاماً وكثر ماله، قال هذا دين حسن وقد أصبت فيه خيراً واطمأن له وإن صابه مرض وولدت امرأته جارية ولم تلد فرسه وقل ماله قال ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلاّ شراً فينقلب عن دينه وذلك هو الفتنة فأنزل الله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أي على شك وأصله من حرف الشيء وهو طرفه نحو حرف الجبل والحائظ الذي غير مستقر فقيل للشاك في الدين أنه يعبد الله على حرف لأنه لم يدخل فيه على الثبات والتمكن. وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم على سكينة وطمأنينة ولو عبد وا الله بالشكر على السراء والصبر على الضراء لم يكونوا على حرف وقيل هو المنافق يعبد الله بلسانه دون قبل {فإن أصابه خير} أي صحة في جسمه وسعة في معيشته {اطمأن به} أي رضي به وسكن إليه {وإن أصابته فتنة} أي بلاء في جسمه وضيق في معيشته {انقلب على وجهه} أي ارتد ورجع على عقبه إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر {خسر الدنيا والآخرة} أي خسر في الدنيا العز والكرامة ولا يبقى دمه وماله مصوناً.وقيل خسر في الدنيا ما كان يؤمل والآخرة بذهاب الدين والخلود في النار {ذلك هو الخسران المبين} أي الظاهر {يدعو من دون الله ما لا يضره} إن عصاه ولم يعبد ه {وما لا ينفعه} أي إن أطاعه وعبد ه {ذلك هو الضلال البعيد} أي عن الحق والرشد {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} فإن قلت قد قال الله تعالى الآية الأولى {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه} وقال في هذه الآية: {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه} وهذا تناقض فكيف الجمع بينهما. قلت إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم وذلك أنّ الله تعالى قال في الآية الأولى: ما لا يضره أي لا يضره ترك عبادته وقوله لمن ضره أي ضر عبادته وقيل: إنها لا تضر ولا تنفع بأنفسها ولكن عبادتها سبب الضرر وذلك يكفي في إضافة الضرر إليها وقيل: إن الله تعالى سفه الكافر حيث عبد جماداً لا يضر ولا ينفع وهو يعتقد بجهله وضلاله أنه ينتفع به حين يستشفع وقيل الآية في الرؤساء وهم الذين كانوا يفزعون إليهم لأنه يصح منهم أن يضروا وينفعوا وحجة هذا القول أن الله تعالى بين في الآية الأولى أنّ الأوثان لا تضر ولا تنفع وهذه الآية تقتضي كون المذكور فيها ضاراً نافعاً، فلو كان المذكور في هذه الأوثان لزم التناقض فثبت أنهم الرؤساء بدليل قوله: {لبئس المولى ولبئس العشير} أي الناصر والمصاحب المعاشر..تفسير الآيات (14- 18): {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}قوله عزّ وجلّ: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إنّ الله يفعل ما يريد} أي بأوليائه وأهل طاعته من الكرامة وبأهل معصيته من الهوان قوله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله} يعني نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم {في الدنيا} أي بإعلاء كلمته وإظهار دينه {والآخرة} أي وفي الآخرة بإعلاء درجته والانتقام ممن كذبه {فليمدد بسبب} أي بحبل {إلى السماء} أي سقف البيت على قول الأكثرين والمعنى ليشدّد حبلاً من سقف بيته فليختنق به حتى يموت {ثم ليقطع} أي الحبل بعد الاختناق وقيل ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقاً {فلينظر هل يذهبن كيده} أي صنيعه وحيلته {ما يغيظ} أي فليختنق غيظاً. وليس هذا على سبيل الحتم لأنه لا يمكنه القطع والنظر بعد الاختناق ولكنه كما يقال للحاسد مت غيظاً وقيل المراد بالسماء السماء المعروفة والمعنى من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ويكيد في أمره ليقطعه عنه فليقطعه من أصله فإنّ أصله في السماء فليطلب سبباً يصل به إلى السماء، ثم ليقطع عن النبي صلى الله علي وسلم الوحي الذي يأتيه فينظر هل يتهيّأ له الوصول إلى السماء بحيلة وهل يقدر على إذهاب غيظه بهذا الفعل فإذا كان ذلك ممتنعاً كان غيظه عديم الفائدة.وفي الآية زجر للكافر عن الغيظ فيما لا فائدة فيه. روي أنّ الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان دعاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وكان بينهم وبين اليهود محالفة فقالوا: لا يمكننا أن نسلم لأنّنا نخاف أن لا ينصر محمد ولا يظهر أمره فتنقطع المحالفة بيننا وبين اليهود فلا يميرونا ولا يؤوونا وقيل النصر معناه الرزق. ومعنى الآية من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق فإنّ ذلك لا يجعله مرزوقاً تقول العرب من ينصرني نصره الله أي من يعطني أعطاه الله {وكذلك أنزلناه} يعني القرآن {آيات بينات وأن الله يهدي من يريد إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا} يعني عبد ة الأوثان وقيل الأديان ستة واحد لله وهو الإسلام وخمسة للشيطان وهو ما عدا الإسلام {إن الله يفصل بينهم} أي يحكم بينهم {يوم القيامة} وقيل يفصل بينهم في الأحوال والأماكن جميعاً فلا يجازيهم جزاء واحداً بغير تفاوت ولا يجمعهم في موطن واحد {إنّ الله على كل شيء شهيد} أي إنه علم بما يستحقه كل واحد منهم فلا يجزي في ذلك الفصل ظلم ولا حيف وقد تقدّم بسط الكلام على معنى هذه الآية في تفسير سورة البقرة.قوله عز وجل: {ألم ترَ} أي لم تعلم وقيل ألم تر بقلبك {إنّ الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والشجر والدواب} قيل سجود هذه الأشياء تحول ظلالهما وقيل ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجداً حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه وقيل معنى سجودها الطاعة فإنه ما من جماد إلاّ وهو مطيع لله تعالى خاشع ومسبح له كما وصفهم بالخشية والتسبيح: وهذا مذهب أهل السنة وهو أنّ هذه الأجسام لما كانت قابلة لجميع الأعراض التي خلقها الله تعالى فيها من غير امتناع البتة أشبهت بمطاوعتها أفعال المكلف وهو السجود الذي كل خضوع دونه.فإن قلت هذا التأويل يبطله قوله: {وكثير من الناس} فإن السجود بالمعنى الذي ذكر عام في الناس كلهم فإسناده إلى كثير من الناس يكون تخصيصاً من غير فائدة. قلت المعنى الذي ذكرته وإن كان عاماً في حق الكل إلاّ أن بعضهم تمرد وتكبّر وترك السجود في الظاهر فهذا وإن كان ساجداً بذاته لكنه متمرد بظاهره وأمّا المؤمن فإنه ساجد بذاته وبظاهره أيضاً فلأجل هذا الفرق حصل التخصيص بالذكر وقيل معنى الآية: {ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض} ويسجد له كثير من الناس فيكون السجود الأول: بمعنى الانقياد والثاني بمعنى الطاعة والعبادة. فإن قلت قوله من في السموات ومن في الأرض لفظ عموم فيدخل فيه الناس فلم قال وكثير من الناس. قلت لو اقتصر على ما تقدّم لأوهم أن كل الناس يسجدون طوعاً دون بعض وهم الذين قال فيهم {وكثير حق عليه العذاب} وهم الكفار أي حق عليهم العذاب بكفرهم وتركهم السجود ومع كفرهم وامتناعهم عن السجود تسجد ظلالهم لله عز وجل: {ومن يهن الله فما له من مكرم} أي من يذله الله فلا يكرمه أحد {إنّ الله يفعل ما يشاء} أي يكرم الله بالسعادة من يشاء ويهين بالشقاوة من يشاء وقيل هو الذي يصح منه الإكرام والهوان يوم القيامة بالثواب والعقاب.فصل:هذه السجدة من عزائم سجود القرآن فيسن للقارئ والمستمع أن يسجد عند تلاوتها أو سماع تلاوتها..تفسير الآيات (19- 24): {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}قوله عزّ وجلّ: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} أي جادلوا في دينه وأمره واختلفوا في هذين الخصمين فروي عن قيس بن عبادة قال: سمعت أبا ذر يقسم قسماً أن هذه الآية: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في الذين برزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد من عتبة أخرجاه في الصحيحين.(خ) عن علي بن أبي طالب قال: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة. قال قيس بن عبادة فيهم نزلت {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال هم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة. قال محمد بن إسحاق: خرج يوم بدر عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، ودعوا إلى المبارزة فخرج إليهم فئة من الأنصار ثلاثة عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء وعبد الله بن رواحة فقالوا رهط من الأنصار فقالوا حين انتسبوا أكفاء كرام ثم نادى مناديهم يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قم يا عبيدة بن الحارث ويا حمزة بن عبد المطلب ويا علي بن إبي طالب» فلما دنوا منهم قالوا: من أنتم فذكروا أنفسهم قالوا نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد ابن عتبة فأما حمزة فلم يمهل أن قتل شيبة وعلي الوليد واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتان كلاهما أثبت صاحبه فكرّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا واحتملا عبيدة إلى أصحابه وقد قطعت رجله ومخها يسيل. فلما أتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألست شهيداً يا رسول الله قال: بلى فقال عبيدة: لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول:وقال ابن عباس: نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب قال أهل الكتاب نحن أولى بالله وأقدم منكم كتاباً ونبينا قبل نبيكم وقال المسلمون نحن أحق بالله آمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب وأنتم تعرفون نبينا وكتابنا وكفرتم حسداً فهذه خصومتهم في ربهم وقيل هم المؤمنون والكافرون من أي ملة كانوا فالمؤمنون خصم والكفار خصم وقيل الخصمان الجنة والنار.(ق) عن أبي هريرة قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «تحاجت الجنة والنار فقال النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة: فما لي لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم» زاد في رواية: «وغزاتهم فقال الله عزّ وجلّ للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنّما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله فتقول قط قط فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم ربك من خلقه أحداً، وأما الجنة فإنّ الله تعالى ينشئ لها خلقاً» وللبخاري: «اختصمت الجنة والنار» وهذا القول ضعيف والأقوال الأولى أولى بالصحة لأن حمل الكلام على ظاهره أولى وقوله هذان كالإشارة إلى سبب تقدم ذكره وهو أهل الأديان الستة وأيضاً فإنه ذكر صنفين أهل طاعته وأهل معصيته وذكر مآل الخصمين فقال تعالى: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار} قال سعيد بن جبير: ثياب من نحاس مذاب وليس من الآنية شيء إذا حمي اشد حراً منه وسمي باسم الثياب. لأنها تحيط بهم كإحاطة الثياب وقيل يلبس أهل النار مقطعات من نار {يصب من فوق رؤوسهم الحميم} أي الماء الحار الذي انتهت حرارته {يصهر به} أي يذاب بالحميم الذي يصب من فوق رؤوسهم {ما في بطونهم} من الشحوم والأحشاء {والجلود} عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ حتى يخلص إلى جوف أحدهم، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب صحيح {ولهم مقامع من حديد} يعني سياط من حديد وهي الجزر من الحديد. وفي الخبر «لو وقع مقمع من حديد في الأرض ثم اجتمع عليه الثقلان ما أقلوه من الأرض» {كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم} يعني كلما حاولوا الخروج من النار لما يلحقهم من الغم والكرب الذي يأخذ بأنفاسهم {أعيدوا فيها} يعني ردوا إليها بالمقامع.قيل إن جهنم لتجيش بهم فتلقيهم إلى أعلاها فيريدون الخروج منها فتضربهم الزبانية بمقامع الحديد فيهوون فيها سبعين خريفاً {وذوقوا عذاب الحريق} يعني تقول لهم الملائكة ذلك والحريق بمعنى المحرق فهذا وصف حال أحد الحصمين وهم الكفار وقال تعالى في وصف الخصم الآخر وهم المؤمنون {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير} وهو الإبريسم الذي حرم لبسه على الرجال في الدنيا. عن معاوية هو جد بهز بن حكيم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد» أخرجه الترمذي وقال: حديث صحيح.(ق) عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن عليهم التيجان أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب.(ق) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» قوله تعالى: {وهدوا} من الهداية يعني أرشدوا {إلى الطيب من القول} قال ابن عباس: هو شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل هو لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله وقيل إلى القرآن وقيل هو قول أهل الجنة {والحمد لله الذين صدقنا وعده} {وهدوا إلى صراط الحميد} يعني إلى دين الله وهو الإسلام والحميد هو الله المحمود في أفعاله.
|